سئل الشّيخ ـ حفظه الله ـ عن الحقوق الزّوجيّة ما هي؟

سئل الشّيخ ـ حفظه الله ـ عن الحقوق الزّوجيّة ما هي؟
فأجاب ـ حفظه الله ـ بما يلي: إذا وقع العقد صحيحا نافذا ترتّبت عليه آثاره، ووجبت بمقتضاه الحقوق الزّوجيّة، وهذه الحقوق ثلاثة أقسام: منها حقوق واجبة للزّوجة على زوجها، ومنها حقوق واجبة للزّوج على زوجته، ومنها حقوق مشتركة بينهما، وقيام كلّ من الزّوج بواجبه والاضطلاع بمسؤوليّاته هو الذي يوفّر أسباب الاطمئنان والهدوء النّفسي، وبذلك تتمّ السّعادة الزّوجية.
والحقوق المشتركة بين الزّوجين هي:
1. حلّ المعاشرة الزّوجيّة، واستمتاع كلّ من الزّوجين بالآخر، وهذا الحلّ مشترك بينهما، فيحلّ للزّوج من زوجته ما يحلّ لها منه، وهذا الاستمتاع حقّ للزّوجين، ولا يحصل إلاّ بمشاركتهما معا، لأنّه لا يمكن أن ينفرد به أحدهما.
2. حرمة المصاهرة.
3. ثبوت التّوارث بينهما بمجرّد إتمام العقد.
4. ثبوت نسب الولد من الزّوج صاحب الفراش.
5. المعاشرة بالمعروف، فيجب على كلّ من الزّوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف حتّى يسودهما الوئام ويظلّهما السّلام، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[1].
والحقوق الواجبة للزّوجة على زوجها منها:
حقوق ماليّة: وهي المهر، والنّفقة.
وحقوق غير ماليّة: مثل العدل بين الزّوجات، ومثل عدم الإضرار بالزّوجة.
هذه هي الحقوق المادّية.
وأمّا الحقوق غير المادّية منها:
حسن المعاشرة، فأوّل ما يجب للزّوج على زوجته: إكرامها، وحسن معاشرتها، ومعاملتها بالمعروف، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها ممّا يؤلّف قلبها، فضلا عن تحمّل ما يصدر منها والصّبر عليه، قال الله سبحانه وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}[2].
ومن مظاهر اكتمال الخلق ونموّ الإيمان: أن يكون المرء رفيقا رقيقا مع أهله، يقول الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم"[3].
وإكرام المرأة دليل الشّخصية المتكاملة، وإهانتها دليل وعلامة على الخسّة واللّؤم، يقول الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أكرمهنّ إلاّ كريم، وما أهانهنّ إلاّ لئيم"[4].
ومن إكرامها: التّلطّف معها، ومداعبتها، وقد كان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يتلطّف مع عائشة رضي الله عنها فيسابقها، تقول: "سابقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسبقته، فلبثنا حتّى إذا أرهقني اللّحم سابقني فسبقني، فقال: "هذه بتلك" رواه أحمد وأبو داود[5].
وروى أحمد وأصحاب السّنن أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كلّ شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل، إلاّ ثلاثا: رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنّهنّ من الحقّ"[6].
ومن إكرامها: أن يرفعها إلى مستواه، وأن يتجنّب أذاها حتّى ولو بالكلمة النّابية.
والمرأة لا يتصوّر فيها الكمال، وعلى الإنسان أن يتقبّلها على ما هي عليه، يقول الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم: "استوصوا بالنّساء خيرا، فإنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإنّ أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج"[7] رواه البخاريّ ومسلم.
وفي هذا إشارة إلى أنّ في خلق المرأة عوجا طبيعيّا، وأنّ محاولة إصلاحه غير ممكن، وأنّه كالضّلع الأعوج المتقوّس الّذي لا يقبل التّقويم، ومع ذلك فلا بدّ من مصاحبتها على ما هي عليه، ومعاملتها كأحسن ما تكون المعاملة، وذلك لا يمنع من تأديبها وإرشادها إلى الصّواب إذا اعوجّت في أيّ أمر من الأمور، وقد يغضي الرّجل عن مزايا الزّوجة وفضائلها، ويتجسّد في نظره بعض ما يكره من خصالها، فينصح الإسلام بوجوب الموازنة بين حسناتها وسيّئاتها، وأنّه إذا رأى منها ما يكره فإنّه يرى منها ما يحبّ، يقول الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر"[8].
ويجب على الزّوج أن يصون زوجته، ويحفظها من كلّ ما يخدش كرامتها وشرفها، ويثلم عرضها، ويمتهن كرامتها، ويعرّض سمعتها لقالة السّوء، وهذا من الغيرة الّتي يحبّها الله ورسوله.
ومن حقّ الزّوج على زوجته:
أن تطيعه في غير معصية، وأن تحفظه في نفسها وماله، وأن تمتنع عن مقارفة أيّ شيء يضيق به الرّجل، فلا تعبس في وجهه، ولا تبدو في صورة يكرهها، وهذا من أعظم الحقوق.
روى الحاكم عن عائشة قالت: "سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ النّاس أعظم حقّا على المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فأيّ النّاس أعظم حقّا على الرّجل؟ قال: أمّه"[9].
ويؤكّد الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحقّ فيقول: "لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها"[10]، رواه أبو داود والتّرمذيّ وابن ماجه وابن حبّان.
وقد وصف الله سبحانه الزّوجات الصّالحات فقال: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[11]، والقانتات: هنّ الطّائعات، والحافظات للغيب: أي اللاّتي يحفظن غيبة أزواجهنّ، فلا تخنه في نفسها وماله، وهذا أسمى ما تكون عليه المرأة وبه تدوم الحياة الزّوجيّة وتسعد.
وقد جاء في الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "خير النّساء من إذا نظرت إليها سرّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك"[12].
ومحافظة الزّوجة على هذا الخلق يعتبر جهادا في سبيل الله، روى ابن عباس رضي الله عنهما "أنّ امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النّساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرّجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربّهم يرزقون، ونحن معشر النّساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أبلغي من لقيت من النّساء أنّ طاعة الزّوج واعترافا بحقّه يعدل ذلك، وقليل منكنّ من يفعله"[13].
ومن عظم هذا الدّين أن قرن الإسلام طاعة الزّوج بإقامة الفرائض الدّينيّة وطاعة الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئت"[14] رواه أحمد.
وعن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنّة"[15].
وأكثر ما يدخل المرأة النّار عصيانها لزوجها، وكفرانها إحسانه إليها، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "اطلّعت في النّار فإذا أكثر أهلها النّساء، يكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهنّ الدّهر ثمّ رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ"[16].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا دعا الرّجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتّى تصبح"[17] رواه البخاري ومسلم وأحمد.
[1] ـ سورة النساء: من الآية 19
[2] ـ سورة النساء: من الآية 19
[3] ـ الترمذي (1162) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح (2615). وأحمد (2/ 250، 472) وصححه ابن حبان (1311) والحاكم (1/ 3). وقال محقق رياض الصالحين: سنده حسن (232). وأخرجه الحاكم (1/ 53) بلفظ: «إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله». وقال: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ. نقلا من نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم [5 /1575]
[4] ـ "ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم". ابن عساكر - عن علي. نقلا من كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال [16 /371]
[5] ـ قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح. نقلا من صحيح ابن حبان - ث [10 /545]
[6] ـ الترمذي -فضائل الجهاد- 4/ 174- ح 1637 , وأبو داود -الجهاد- 3/ 13- ح 2513 , وأخرجه النسائي في الخيل, وابن ماجه في الجهاد والدارمي في الجهاد أيضا. نقلا من مجموعة الحديث على أبواب الفقه [3 /454]
والحديث حسن بطرقه وشواهده. نقلا من مسند أحمد ط الرسالة [28 /573]
[7] ـ رواه البخاري 9/218 في النكاح، باب المداراة مع النساء، وفي الأنبياء، باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته، وفي الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، وباب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه، وفي الرقاق، باب حفظ اللسان، ومسلم رقم (1468) في الرضاع، باب الوصية بالنساء، والترمذي رقم (1188) في الطلاق، باب ما جاء في مداراة النساء. نقلا من جامع الأصول [6 /503]
[8] ـ أخرجه مسلم رقم (1469) في الرضاع، باب الوصية بالنساء. نقلا من جامع الأصول [6 /517]
[9] ـ رواه البزار والحاكم وإسناد البزار حسن. قاله في الترغيب والترهيب [3 /34]، وقال الألباني - رحمه الله - (ضعيف الترغيب: 1212) معلقاً على ذلك: "قلت: لا وجه لهذا التحسين، ولا لتخصيصه بالبزار، فإن إسناده (1462) كإسناد الحاكم ( 4/150 و175) ليس خيراً منه، فإن مداره عندهما على أبي عتبة، وهو مجهول كما قال الحافظ، ومن طريقه أخرجه النسائي أيضاً في (عشرة النساء) من (الكبرى: 1/85/2)، فإغفال المؤلف إياه قصور" انتهى. نقلا من أرشيف ملتقى أهل الحديث 4 [ص 12846]
[10] ـ أخرجه الترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة ... وكذلك رواه أبو داود من حديث قيس بن سعد وابن ماجه من حديث عائشة وابن حبان من حديث ابن أبي أوفى. نقلا من إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي [2 /341]
[11] ـ سورة النساء: من الآية 34
[12] ـ رواه النسائي وغيره بسند صحيح. نقلا من فقه السنة [2 /21]
[13] ـ أخرجه البزار كما فى كشف الأستار (2/181 رقم 1474). قال الهيثمى (4/305): فيه رشدين بن كريب، وهو ضعيف. وأخرجه أيضًا: الديلمى (5/399، رقم 8544). نقلا من جامع الأحاديث [1 /124]
[14] ـ أحمد في المسند (1/191) وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/240) رقم (673): صحيح من حديث أبي هريرة وهو في مجمع الزوائد (4/301) وقال: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح. نقلا من نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم [5/1659]
[15] ـ قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب. قال الشيخ الألباني: ضعيف. نقلا من سنن الترمذي - شاكر + ألباني [3/466]
[16] ـ رواه البخاري 2/447 في الكسوف، باب صلاة الكسوف جماعة، وفي الإيمان، باب كفران العشير، وكفر دون كفر، وفي المساجد، باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله، وفي صفة الصلاة، باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، وفي بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر، وفي النكاح، باب كفران العشير، ومسلم رقم (907) و(908) و(909) في صلاة الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم، والموطأ 1/186 و187 في صلاة الكسوف، باب العمل في صلاة الكسوف، وأبو داود رقم (1181) و(1183) في الصلاة، باب من قال: [صلاة الكسوف] أربع ركعات، والترمذي رقم (560) في الصلاة، باب ما جاء في صلاة الكسوف، والنسائي 3/129 في الكسوف، باب كيف صلاة الكسوف، وباب نوع آخر من صلاة الكسوف، وباب قدر القراءة في صلاة الكسوف. نقلا من جامع الأصول [6 /173]
[17] ـ رواه البخاري 9/258 في النكاح، باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، وفي بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ومسلم رقم (1436) في النكاح، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها، وأبو داود رقم (2141) في النكاح، باب حق الزوج على المرأة. نقلا من جامع الأصول [6 /495]

» ايات من كتاب الله
» بعض حاجيات الرسول صلى الله عليه و سلم و آل بيته